الفضائل الستة لأبي بكر رضي الله تعالى عنه

قال الله تبارك وتعالى:


وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى ١٧ ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ ١٨ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ ١٩ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ ٢٠ وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ ٢١ [ الليل:17-21]



التفسير:




سبب نزول هذه الآيات المباركات:


عذّب المشركون بلالاً، وكان سيدنا بلالٌ رضي الله تعالى عنه يقول: أحدٌ أحدٌ، فمرّ به النبي ﷺ فقال: أحد- يعني الله تعالى- ينجيك ثم قال لأبي بكر رضي الله تعالى عنه: يا أبا بكر! إن بلالاً يعذّب في الله، فعرَف سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه الذي يشير إليه رسول الله ﷺ، فانصرف إلى منزله، وأخذ رطلاً من ذهب، ومضى به إلى أمية بن خلف، فقال له: أتبيعني بلالاً؟ قال: نعم، فاشتراه ثم أعتقه.


فقال المشركون: ما أعتقه أبو بكر إلا ليد كانت له عنده، فنزلت:


وما لأحد عنده أي عند أبي بكر من نعمة، أي: من يدٍ ومنّة، تجْزَى بل ابتغى بما فعل وجه ربّه الأعلى (أحكام القرآن للقرطبي: 20/88) (تفسير الخازن: 4/385).



إجماع المفسرين على مراد هذه الآية

قال الإمام عليّ بن محمد الخازن رحمه الله تعالى:


يعني التّقي الَّذِي يُؤْتِي أي يعطي مالَهُ يَتَزَكَّى، أي يطلب أن يكون عند الله زاكيا لا يطلب بما ينفقه رياء ولا سمعة، وهو أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين (تفسير الخازن: 4/384).


ولقد ابتاع أبو بكر الصديق الأكبر رضي الله عنه كثيراً من الأسارى لأجل دخولهم الإسلام وأعتقهم غير بلال رضي الله عنه، منهم: عامر بن فهيرة، أمّ عميس والزهرة رضي الله عنهم.



الفضائل الستة لأبي بكر رضي الله تعالى عنه

وفي هذه الآيات المباركة تتجلّى فضائل سيدنا أبي بكر الصديق الأكبر بأنه أفضل الناس بعد الأنبياء، وإليكم بعضًا منها:



الفضيلة الأولى:


لا يُنسب أيّ ذنب لسيّدنا أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في الدنيا؛ وفي هذه الدنيا كثيرٌ من الأتقياء ممن لم يرتكبوا ذنبًا مدى حياتهم، مع أنهم معرّضون للذنب لكن الله حفظهم، يعني يوجد من الناس مثلهم في المرتبة العليا من التقوى، فكيف يرتكب ذنبًا من كان من أهل الورع والتقوى؟ كما أنّ هذه الفضيلة تتجلّى لمن يدرس سيرته رضي الله عنه بأنّه لم تكن له خطيئة في حياته رضي الله عنه بل كان الغالب من حياته ظهور التفوّق على الآخرين في الأعمال الصالحة.



الفضيلة الثانية:


أنّ سيّدنا الصديق رضي الله عنه من الأشخاص الذين يُبعدون عن النّار، كما ورد في الآية:


وَسَيُجَنَّبُهَا


بل إنّه رضي الله عنه من الذين ورد فيهم أنّهم لا يسمعون حسيس النّار، كما قال الله في القرآن الكريم:


إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ ١٠١ لَا يَسۡمَعُونَ حَسِيسَهَاۖ وَهُمۡ فِي مَا ٱشۡتَهَتۡ أَنفُسُهُمۡ خَٰلِدُونَ ١٠٢ لَا يَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ هَٰذَا يَوۡمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ ١٠٣ [ الأنبياء:101-103 ]



الفضيلة الثالثة:


أنّ إبعادهم عن النار بشرى لهم بالجنّة؛ لأنّ من تتساوى حسناتهم مع سيّئاتهم لهم مقام "الأعراف" الذي يقع بين الجنّة وبين النار، ولكن من بُشّر بالجنّة من الأتقياء فمنزلته الثانية هي "الجنّة" فقط.


قال تعالى:


فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ [ آل عمران: 185]


ثمّ إن التقوى هي عبارة عن نهي النفس عن الهوى، ومن يتّصف بهذه الصفة له البشارة بالجنّة صراحة، كما ورد في القرآن المجيد:


وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠ فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ٤١ (النّٰازِعٰات:40-41).


بل الجنّة أعدّت للمتّقين على الأصل، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم:


وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ ١٣٣ [ آل عمران:133]



الفضيلة الرابعة:


إنّ أتقى الناس في أمّة سيد المرسلين ﷺ هو سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ لأنّ لفظ "الأتقى" ورد فيه بإجماع الامّة.



الفضيلة الخامسة:


وأيضا اتّضح لنا من هذه الآية أنّه أفضل من الأمم؛ لأنّ الله جعله أتقى الناس، وجعل أتقاهم أكرمهم، كما ورد في القرآن الكريم:


إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ [ الحجرات:13]


إضافةً إلى أنّ التقوى محلّها "القلب"، كما قال النبي ﷺ:


الإيمان في القلب، ثم يشير بيده إلى صدره ويقول: ‌التقوى ههنا، ‌التقوى ههنا (مصنف ابن أبي شيبة: 6/159، (30319)).


ولَمَّا كان القلب محلّ التقوى فاستمِع إلى حال القلب المبارك عند الصدّيق الأكبر رضي الله عنه، فقد روى الإمام الغزالي عليه الرحمة حديثاً ورواه الحكيم الترمذي ناقلاً عن أبي بكر بن عبد الله المزني رضي الله تعالى عنه، قال: ما فَضَلكم أبو بكر ‌بكثرة ‌صيام ولا صلاة ولكن بسر وقر في صدره (إحياء علوم الدين: 1/100) .


وقد تمّ إجماع أهل السنّة والجماعة على أنّه أفضل الصحابة كلّهم أجمعين رضي الله عنهم كما جاء في العقائد النسفية: أفضل البشر بعد نبينا أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم عليّ رضي الله عنهم وخلافتهم على هذا الترتيب أيضًا (العقائد النسفية مع شرحه للتفتازاني: صـ 321)



الفضيلة السادسة:


أنّ سائر الصدقات لأبي بكر الصّديق الأكبر رضي الله عنه في حيّز القبول وفي المرتبة العالية من الإخلاص، والدليل عليه أنّ الله أخبر عن كل مال أنفقه في سبيل الله بأنّه بعيد عن الرياء والسمعة، بل هو "يتزكّى" والله لا يضيع عمل المخلصين، كما قال جلّ وعلا:


إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٢٠ [ التوبة: 120]


ثمّ بشّر عن إنفاق مال أبي بكر الصديق رضي الله عنه بأنّ الله يرضى عنه كما قال:


وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ ٢١ [ الليل:21]


ثمّ شهد اللهُ له بالمرتبة العالية من إخلاصه وقال:


إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ ٢٠ [ الليل: 20]



تشبيه جميل بين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسيدنا النبي ﷺ

قال الله تعالى مبشّرًا أبا بكر الصديق رضي الله عنه خاصّة بأنّه سوف يرضيه: "أي بما يعطيه في الآخرة من الجنة والخير والكرامة جزاء على ما فعل" (تفسير الخازن: 4/385).


وهناك وجه جميل في هذه البشارة أنّ الله قال لحبيبه ﷺ:


وَلَسَوۡفَ يُعۡطِيكَ رَبُّكَ فَتَرۡضَىٰٓ ٥ [ الضحى:5]


وقال عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه:


وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ ٢١. [ الليل:21]


فأسلوب الكلام سواء فيهما -سبحان الله-.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *